السيد/ ماورو فييرا Mauro Vieira
وزير خارجية البرازيل
السادة وزراء الخارجية،
السيدات والسادة،
أتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى حكومة البرازيل لعقد اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين لأول مرة بالأمم المتحدة وبحضور كافة أعضائها ... كما أود أن أثمن على أولويات البرازيل خلال رئاستها لمجموعة العشرين، والتي تحظى جميعها بأهمية بالغة لاسيما في هذا الظرف الدولي الدقيق.
إن الاستقطاب والانتقائية في التعامل مع التحديات الراهنة، يفاقم من حالة الاحتقان الدولي وعدم اليقين وصعوبة التنبؤ بما هو قادم، فضلاً عن إخفاق النظام الدولي في التعامل مع جذور ومسببات الأزمات الراهنة، وعدم قدرته على مواكبة وتيرة التطورات التي نشهدها.
ويُعد ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية خير برهان على هذا؛ فبينما أتحدث إليكم، لا تزال آلة الحرب الإسرائيلية تدوي لتحصد المزيد من الأرواح وتخلف الدمار وتفاقم الوضع الإنساني، في حرب انتقامية ضد القطاع وأبنائه وبنيته التحتية ومنظومته الصحية، يتم فيها استخدام سلاح التجويع والحصار والترويع – بجانب استخدام العتاد العسكري – لجعل القطاع غير قابل للحياة، وإجبار سكانه على التهجير القسري، في انتهاك صارخ للقيم الإنسانية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته، والعيش بسلام جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.
إن استمرار الحرب النكراء على قطاع غزة والضفة الغربية، ومواصلة ممارسات الفصل بين القطاع والضفة، ما هي إلا مساعي لتصفية القضية الفلسطينية وفرض واقع ديمغرافي جديد يتنافى مع قرارات الشرعية الدولية، ويكرس للانتقائية وازدواجية المعايير الدولية، بما يقوض مصداقية وفاعلية النظام الدولي متعدد الأطراف برمته.
السيدات والسادة،
يعاني عالمنا اليوم من أزمات وتحديات متلاحقة ومتشابكة تعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتقوض ما تحقق بالفعل من إنجازات في هذا المضمار. وتُعد الدول النامية هي الأكثر تأثراً من تلك الأزمات، بالنظر إلى ضعف إمكانياتها ومحدودية التمويل المتاح لها وعدم توافر التكنولوجيا الحديثة بها.
وتواجه الدول النامية تحديات جسيمة تهدد قدرتها على تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، في الوقت الذي تتقاعس فيه بعض الدول المتقدمة عن الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها بتوفير تمويل المناخ، ويتبنى البعض الآخر سياسات أحادية لتسعير الكربون يمتد أثرها إلى خارج حدودها الجغرافية، بزعم تحقيق أهداف المناخ، بما يهدد بالإضرار بصادرات الدول النامية وقدرتها على النفاذ لأسواق تلك الدول، وهو ما سينعكس سلباً بالتبعية على مصادر الدخل المتاحة للدول النامية.
إن النهج الدولي المُتبع في التعامل مع التحديات يعكس أوجه القصور القائمة في الحوكمة الدولية، والحاجة المُلحة لإصلاح وتطوير وتعزيز دور المنظمات والمؤسسات الدولية، على رأسها الأمم المتحدة ومؤسسات "بريتون وودز"، فضلاً عن إصلاح الهيكل المالي العالمي، وهو أمر لن يتأتى دون توافر الإرادة السياسية الجماعية من أجل تبنى رؤية شاملة وعادلة لهذا الإصلاح، تستند إلى ترسيخ محورية النظام الدولي متعدد الأطراف، وفقاً لأهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.
ومن هنا يأتي دور مجموعة العشرين باعتبارها أحد المحافل الفاعلة في دفع عجلة النمو وتعزيز حوكمة الاقتصاد العالمي؛ حيث أننا نتطلع لأن تقوم المجموعة بدور إيجابي في عملية تطوير أساليب عمل مؤسسات "بريتون وودز" وبنوك التنمية متعددة الأطراف لتمكينها من دعم الدول النامية فى احتواء الأثار التراكمية للأزمات الدولية المتعاقبة.
فمن الأهمية النظر في استحداث آليات مبتكرة وفعالة لتمويل التنمية، على غرار مبادلة الديون من أجل المناخ، إلى جانب تعظيم الاستفادة من الآليات التمويلية القائمة، لتوفير المنح والتمويل الميسر اللازم لتحقيق التنمية في الدول النامية. كما نعول على دور المجموعة في معالجة إشكالية تنامى الديون السيادية للدول النامية في إطار استحداث آليات شاملة وفعالة للإدارة المستدامة لديون الدول منخفضة الدخل، وكذا الدول متوسطة الدخل التي تستضيف قرابة ثلثي فقراء العالم.
وختاماً، أعرب عن تقديري للجهد الذي تبذله الرئاسة البرازيلية لمجموعة العشرين، كما أتطلع لأن يصدر عن اجتماع اليوم رسالة قوية ترتقي لمستوى المسئولية المُلقاة على عاتق دول المجموعة من أجل بناء غد أفضل للجميع.
شكراً.