بسم الله الرحمن الرحيم
السادة وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يطيب لي في البداية أن أتوجه بالشكر للقائمين على هذا الاجتماع على هامش أعمال الشق رفيع المستوى للدورة رقم 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة للتباحث والتشاور والتنسيق حول القضايا الدولية المعاصرة التي تهم عالمنا الإسلامي، لاسيما وأننا طالما أكدنا على أهمية تعميق الشراكة بين منظمتنا الإسلامية العريقة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الأمم المتحدة.
في هذا السياق، فلا يسعني إلاّ أن استهل كلمتي بالإشارة إلى القضية الفلسطينية، وفى القلب منها القدس الشريف، التي هي أساس إنشاء منظمتنا، وتظل القضية التي تأسر وجداننا وتستحوذ على أفئدتنا. وفي هذا السياق، فلا يخفى عليكم التحديات الجسام التي يتعرض لها أشقاؤنا الفلسطينيون العزل جراء استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، فقد وصل إزهاق الأرواح في غزة عنان السماء، حيث أودى بحياة قرابة الأربعين ألف فلسطينياً، أغلبهم نساء وأطفال، وبما أدى إلى نزوح أكثر من 1,5 مليون فلسطينياً هرباً من آلة القتل الإسرائيلية. وأؤكد هنا أن مصر لم ولن تدخر جهداً لدعم أشقائنا الفلسطينيين، حيث عملت كافة مؤسساتها منذ البداية على ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية لسكان غزة وإبقاء معبر رفح مفتوحاً، ووفرت ما يقرب 75 بالمائة من إجمالي المساعدات المقدمة لأشقائنا بغزة.
هذا، وتؤكد مصر مجدداً رفضها القاطع لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتطالب باعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، فضلاً عن احترام الوضع القائم بالأماكن المقدسة بالقدس في ظل الوصاية الأردنية الهاشمية، وتدعوكم لإدانة السياسات الإسرائيلية الأحادية، ومن بينها التوسع الاستيطاني، التي أفضت إلى الأزمة الحالية، وتحذر من مغبة هذه السياسات ومن التخاذل عن وقف الحرب في غزة، ومما قد ينذر به استمرار المأساة الحالية من فتح للمجال أمام اتساع دائرة الصراع في الشرق الأوسط.
وعليه، تناشد مصر المجتمع الدولي وأصحاب الضمائر الحرة بالتدخل فوراً لوقف إطلاق النار في غزة بغية حماية المدنيين الفلسطينيين من المزيد من سفك الدماء، وتؤكد أن السلم والاستقرار في الشرق الأوسط لن يتحقق سوى بانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
السادة الحضور،
إننا نجتمع اليوم في ظل ما يمر به عالمنا المعاصر من تحديات بالغة التعقيد تتطلب تضافر الجهود في شتى المجالات إيماناً بأهمية العمل الجماعي البناء لتحقيق التنمية والازدهار والرخاء لشعوبنا، وهو الأمر الذي لن يتحقق سوى بتوفير الأمن والاستقرار، ومن ثم، فمن الأهمية بمكان أن نعمل سوياً لمكافحة الإرهاب وما يرتبط به من ظواهر تهدد أمن واستقرار شعوبنا.
أود هنا الإشارة إلى أن مصر تدين الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، باعتباره انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتؤكد مصر على ضرورة عدم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة، وتــــــــــؤكد على ضرورة تبنى مقاربة شامــــلة لمعالجة جذور الإرهـــــاب والتطرف ومسبــــباتهما، لا تقتصر فحسب على المواجهة الأمنية، وإنما تشمل كذلك المحاور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية. وهنا أود أن أشير إلى الدور المهم الذي يضطلع به الأزهر الشريف ومؤسساته وفى مقدمتها "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" في تفنيد الخطاب الإرهابي والمتطرف، والترويج للفكر الوسطى المعتدل الذي يتفق وصحيح الدين.
كما نجد أنفسنا اليوم أمام تحد آخر بات يتنامى بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وهو تفشى ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي تعزز الكراهية وتؤدى إلى ممارسات متطرفة وردود فعل تهدد التناغم المجتمعي في مختلف الدول، وهو الأمر الذي يتطلب موقفاً واضحاً متوازناً. وعليه، تدين مصر بأشد العبارات الجرائم التي تستهدف الأديان ومعتنقيها ورموزها الدينية، وتُعرب في هذا الصدد عن بالغ قلقها لتفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتؤكد على ضرورة التصدي لمثل هذه الظاهرة، باعتبارها لا تمثل أحد أوجه حرية الرأي والتعبير.
وأود التأكيد في هذا الصدد عرى أهمية العمل المشترك وما يؤتيه من ثمار حقيقية، وأشير هنا إلى تقديرنا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستحداث منصب المبعوث الخاص لمكافحة "الإسلاموفوبيا"، والذي نتطلع للتعاون معه لصالح الشعوب الإسلامية في كل مكان.
السادة الحضور،
تعانى دولنا من الآثار السلبية للتغير المناخي بشكل غير متوازن في وقت يتعين أن تضطلع فيه دول الشمال بمسئوليتها التاريخية وتتقاسم الأعباء في إطار مبدأ المسئوليات المشتركة متباينة الأعباء، وهو ما دفع مصر إبان رئاستها لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP 27 للحرص على الخروج بنتائج تاريخية حظيت بتوافق دولي على أجندة المناخ العالمية، وأهمها إدراج موضوعات آليات تمويل الدول النامية للتعامل مع الخسائر والأضرار المرتبطة بتغير المناخ، بما في ذلك قرار إنشاء صندوق تمويلي للخسائر والأضرار، وتدشين برنامج عمل الانتقال العادل لضمان إسهام عملية التحول نحو اقتصاد أخضر مستدام في دعم جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية والقضاء على الفقر وخلق فرص عمل.
وحري بالذكر في هذا السياق ما تؤشر إليه عضوية الرئاسات الثلاث المتتالية لمؤتمرات الـCOP 27 و28 و29 وذلك برئاسة مصر والإمارات وأذربيجان، أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، من إرادة دولنا وريادتها في سبيل تعزيز التعاون الدولي لمواجهة تلك الظاهرة الخطيرة، والتي أضحت قضية حاسمة تهدد عالمنا.
السادة الحضور،
أود أن أغتنم هذه المناسبة لأشيد بدور الأمانة العامة لمنظمتنا العريقة بقيادة معالي السيد/ حسين إبراهيم طه، الأمين العام للمنظمة، وأن أؤكد له على ما توليه مصر من أولوية متقدمة لدعم وتعزيز عمل المنظمة باعتبارها منبراً رئيسياً للتباحث والتشاور وتبادل الآراء بغية تحقيق التعاون والعمل الإسلامي المشترك البناء في شتى المجالات. وأؤكد كذلك على حرص مصر على المشاركة الفعالة في شتى مجالات عملها لتعزيز دورها المحوري، لاسيما في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه عالمنا الإسلامي، والتي تتطلب منا النظر بجدية في إصلاح وتطوير المنظمة لتتواكب مع معطيات العصر الحديث، والعمل بقوة على توحيد مواقف الدول الأعضاء إزاء القضايا ذات الأولوية للدول الإسلامية.
وشكراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،