السيد الرئيس،
نشكركم على عقد الاجتماع بطلب من الجزائر الشقيق لمناقشة التطورات الراهنة على ضوء الحرب على قطاع غزة وما تشهده الأرض الفلسطينية المُحتلة.
لقد جلسنا بينكم مرات عديدة منذ بداية الحرب على الشعب الفلسطيني بغزة، وناشدنا المجلس مراراً وتكراراً للتدخل بصورة مباشرة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية التي يُعاني منها المدنيون في قطاع غزة منذ ما يقرب من عام، وإنهاء الحصار والتجويع لشعبٍ أعزلٍ وأطفال أبرياء حُرموا من عائلاتهم ومازالوا يُعانون من أخطار المجاعة والأمراض المُعدية في ظل كارثة إنسانية مُروعة صنعها الاحتلال الإسرائيلي، وأودت بحياة أكثر من 41 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال، فضلاً عن الجرحى ومن هم تحت الأنقاض وفي عداد المفقودين... حتى الأحياء سيعانون لسنوات طويلة ثقيلة، فقد عمدت آلة الحرب الإسرائيلية إلى تدمير مُعظم المباني السكنية ومُنشآت البنية التحتية المدنية، والمستشفيات والمدارس... فيما يعكس نهجاً متعمداً لتحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة، وطاردة لسُكانها.
رغم كافة المناشدات الدولية لإسرائيل بوقف نزيف الدماء، وايقاف القتل المستمر واستهداف المدنيين، ورغم مساعي الوساطة المستمرة لمصر مع قطر والولايات المتحدة... رغم قرارات مجلس الأمن العديدة، ورغم ما وصل إليه القطاع من وضع إنساني كارثي، أمعنت قوة الاحتلال في الانتقام من أهل غزة، واستخدمت التجويع والحصار سلاحاً ضد الفلسطينيين، وفرضت عليهم النزوح والتهجير من منازلهم، واحتلت الجانب الفلسطيني من معبر رفح ومنعت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية من توزيع المساعدات داخل القطاع، وتركت المدنيين بلا متاع ولا دواء ولا غذاء كاف وعلى مدار أشهر طويلة، بما أفضى لكارثة إنسانية غير مسبوقة.
السيد الرئيس،
لقد رفضت مصر والدول العربية قتل واستهداف المدنيين منذ بداية الأزمة، وأُكرر لكم أمام أعين العالم أننا نبذنا العُنف بكافة أشكاله ضد سائر المدنيين... ولكننا وجدنا إمعاناً من قبل إسرائيل لتوسيع رقعة الصراع وتحويله لمُواجهة إقليمية شاملة بالمنطقة، وتعريض المزيد من المدنيين للخطر، وهو أمر مرفوض جُملةً وتفصيلاً.
في ذلك السياق، تُودُ مصر أن تضع أمام أعضاء مجلس الأمن والعالم بأسره بعض الحقائق التي يجب أن تكون من المُسَلّمات لدى الجميع:
أن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، هي المسئول الأول والمُباشر عما آلت إليه الأوضاع في غزة والمنطقة ومسئولة عن توسيع رقعة الصراع... ففي أعقاب الكارثة الإنسانية التي تسببت فيها في غزة، انتقلت آلة الحرب الإسرائيلية إلى لبنان، وحصدت في يوم واحد مئات الضحايا من الشعب اللبناني الشقيق بما في ذلك نساء وأطفال.
إن إسرائيل مثلها مثل باقي الدول عليها التزام لا لبس فيه بتنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية الصادرة منذ بداية الأزمة، وكذلك أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب. ونُشدد على أن تلك القرارات والأحكام لم يُطبق أي منها حتى الآن، دون أن يكون لذلك أي عواقب على إسرائيل.
علينا جميعاً أن نرفض بوضوح المُبررات الواهية لاستمرار الحرب الحالية، أو الادعاءات الجوفاء التي تُكررها سلطة الاحتلال عن الإجراءات التي اتخذتها للتخفيف من وطأة التداعيات الإنسانية، والتي ثبُت مراراً عدم مصداقيتها، وخير دليل على ذلك هو المجاعة التي تتفاقم في غزة كما تُخبرنا تقارير الأمم المتحدة.
أن توقف تدفُق المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح البري هو نتيجة مباشرة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية المُتواصلة على كافة أرجاء القطاع بما في ذلك الجانب الفلسطيني من المعبر والشريط الحدودي مع مصر، والتي سبق أن رفضناها وحذرنا منها… والتي تُعد إمعاناً في سياسات العقاب الجماعي التي تُمارس بحق الفلسطينيين، وخلق وضع على الأرض يجعل من العمل الإنساني بمثابة مُهمة مُستحيلة بل انتحارية… يمثل تهديداً مُباشراً لحياة لعاملين بالمجال الانساني.......
أن مواصلة العمل الإنساني مازال ممكناً، إذا تحملت إسرائيل مسئولياتها وانسحبت فوراً من معبر رفح، وقامت بتسليمه للجانب الفلسطيني، وقامت بفتح كافة المعابر الأخرى التي تحيط بغزة من الجانب الإسرائيلي.
إن ما تشهده فلسطين المُحتلة ليس وليد الصُدفة، فإسرائيل تُدرك جيداً أثر ممارساتها على الأرض في قطاع غزة، وتدرك آثار الاستيطان والهدم ومصادرة الأراضي والاقتحامات العسكرية لمُدن الضفة الغربية، وهي كلها ممارسات لا تعدو كونها انعكاساً لسياسات لا تسعى سوى للقضاء على ما تبقى من فُرص لحل الدولتين.
السيد الرئيس،
ستستمر مصر في العمل بلا كلل لوقف الحرب، ولضمان النفاذ الآمن والمُستدام للمساعدات الإنسانية لغزة والعمل على استئناف عمل النافذة الأكثر تأثيراً لنفاذ تلك المساعدات، انطلاقاً من واجبنا الإنساني تجاه شعب شقيق… وسنستمر في دعم الصمود الفلسطيني على أرضه بغزة والضفة والقدس أمام محاولات التهجير… إلا ان مُهمتنا تلك لن تُكلل بالنجاح ما لم يكن هناك دعم واضح وصريح من المجتمع الدولي، دون مواربات أو معايير مزودجة.
إن مجلس الأمن قادر على إحداث تغيير على الأرض إذا خلصت النوايا، من ثم اسمحوا لي أن أعرض عليكم تحديداً ماهية الدور الذي نتطلع إليه من مجلسكم الموقر باستخدام آلياته وأدواته المُلزمة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الشرق الأوسط؛
أولاً: إلزام إسرائيل بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، ووقف التصعيد المُتعمد في المنطقة بما في ذلك في لبنان، وبالانسحاب الكامل من القطاع، بما في ذلك الانسحاب الفوري من الجانب الفلسطيني لمعبر رفح ومحور "فيلادلفي"، وحتى يتم استئناف تدفق المساعدات الإغاثية العاجلة، والانسحاب كذلك من على الجانب الفلسطيني لجميع المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل وفتحها بالكامل للنفاذ الإنساني.
ثانياً: تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية.
ثالثاً: تقديم الدعم الكامل للسلطة الوطنية الفلسطينية وتمكينها من القيام بكافة واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما في ذلك العودة للمعابر وتقديم الخدمات الأساسية وتولي مهام الإدارة والحُكم وإنفاذ القانون.
رابعاً: ترحيب مجلس الأمن بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، وعلى أساس خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس الشريف، مع اعتبار هذا الأمر مهماً وعاجلاً إذا كُنا صادقين في دعم حل الدولتين، وإنفاذ العدالة الدولية التي أصبحت مصداقيتها على المحك.
خامساً: إلزام إسرائيل بإنهاء كافة مظاهر الاحتلال لدولة فلسطين بقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وفقاً لجدول زمني محدد وواضح، مع مُتابعة التنفيذ واتخاذ التدابير اللازمة في حالة التقاعس عنه.
السيد الرئيس،
لقد انتظرنا إقدام إسرائيل على الانتهاء من مفاوضات الحل النهائي لعقود طويلة، وذلك دون جدوى، ولعلكم تتفقون معنا أنه قد حان الوقت لمواجهة رفض الحكومة الإسرائيلية لحل الدولتين ولأحكام القانون الدولي، وسياستها الصريحة الرسمية التي تستهدف الحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية... لقد حان الوقت لإنهاء الاحتلال الذي دام لعقود والذي وصفته محكمة العدل الدولية صراحةً بأنه احتلال غير مشروع.
ستظل مصر داعمة لجهود السلام الذي وضعت أُسسه منذ 45 عاماً، ونتطلع أن يقوم المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن، بواجباته لإتمام هذا السلام الذي تستحقه شعوب المنطقة.
وشكراً...