بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس،
السادة الحضور الكريم،
لقد وصل إزهاق أرواح أطفال ونساء غزة عنان السماء، في لحظة تُمثل نقطة سوداء في جبين الإنسانية، فقد بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين ما يزيد على 40 ألف مدنياً و91 ألف مصاباً، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال، وتم تدمير أكثر من ٩٠٪ من المُنشآت السكنية بالقطاع، علاوةً على استهداف منظومة الدعم الصحي، وأصبحت مدينة رفح الفلسطينية ملجأً للنازحين، ولا يزال يمُر الوقت ثقيلاً على أهل غزة.
كما يتزامن كل ذلك مع استمرار حالة الحصار والتجويع وغلق المعابر الاسرائيلية وتعطيل حركة النفاذ الإنساني، وانتهاكات جسيمة وواضحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومأساة إنسانية بكل معاني الكلمة... لا يُمكن تبريرها تحت أي ذريعة.
السادة الحضور،
لقد حذرت مصر مراراً من الخطط الإسرائيلية لجعل الحياة في قطاع غزة مستحيلة، من خلال استهداف المنشآت المدنية والطبية والمساكن، ودفع سكان الشمال إلى النزوح باتجاه جنوب القطاع الذي بات مُكدساً بمئات الآلاف من النازحين، فضلاً عن استمرار سيطرة إسرائيل عسكرياً على مدينة رفح وعلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، ودون تحمُل إسرائيل مسئولية حماية المدنيين في القطاع باعتبارها القوة القائمة للاحتلال وفقاً للقانون الدولي.
ولا يخفى عليكم، أن ما يحدث في غزة أمام أعين العالم، يقابله في الضفة الغربية سياسة مُعرقلة لحياة الفلسطينيين، سواء من خلال إطلاق العنان لعُنف المستوطنين، أو من خلال عمليات الهدم والطرد والاقتحامات العسكرية ومُصادرة أراضي مُدن الضفة، فضلاً عن التهام الأرض الفلسطينية المُحتلة من خلال الأنشطة الاستيطانية وتكريس الاحتلال.
هذا، وتؤكد مصر مجدداً اليوم أمام اجتماع اللجنة الوزارية الموقرة لدول عدم الانحياز رفضها الكامل لأي محاولات من قبل اسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، بما فيها قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وتدعو المجتمع الدولي للوقوف بقوة أمام جميع الممارسات التي تؤدي إلى ذلك... وتُطالب مصر في هذا الصدد اضطلاع مجلس الأمن والقوى المؤثرة دولياً بمسئوليتهم في وقف هذا التصعيد الخطير في منطقة الشرق الأوسط والحيلولة دون خروج الأوضاع الأمنية عن السيطرة، ووضع حد لسياسة حافة الهاوية.
السادة الحضور،
إننا نشهد اليوم جموداً في مسار التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، مما يُفاقم من معاناة أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق المتواجدين في القطاع.
وعليه، وإيماناً من مصر بمحورية تسخير كل إمكاناتها واتصالاتها لخدمة أشقائنا الفلسطينيين في تلك المحنة، فإننا نتحرك بكل قوة على ثلاثة مسارات متوازية؛ المسار الإنساني والإغاثي، من خلال العمل على إدخال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية للمدنيين، وتقديم الرعاية الطبية لأشقائنا من الجرحى والمصابين بالمستشفيات المصرية، وكذلك عمليات إجلاء الرعايا الأجانب ومزدوجي الجنسية في ملحمة إنسانية حقيقية تجلّت في تضافُر جهود الدول الصديقة.
وفي هذا الصدد، تشدد مصر على محورية دعم دور وكالة الأونروا بوصفها المنظمة الأممية التي لا بديل عنها على نطاق العمل الإنساني والإغاثي في قطاع غزة، بما في ذلك توفير التمويل الكافي الذي يُمكّنها من الاستمرار في عملها، فضلاً عن توفير الدعم السياسي لها ولولايتها بمقتضي قرار الجمعية العامة، خاصةً في مواجهة المحاولات الإسرائيلية للقضاء التام على تواجدها في قطاع غزة، ويأتي على رأس تلك المحاولات قرار الكنيست الإسرائيلي الذي اعتبرها منظمة إرهابية.
أما المسار الثاني، فيتعلق بجهود الوساطة الذي نقوم بها بالتعاون مع الأشقاء في قطر والجانب الأمريكي بغية الدفع باتجاه التوصل لمعادلة تُفضي في نهاية المطاف إلى وقف فوري ومُستدام لإطلاق النار وتبادل الرهائن والمُحتجزين.
وأخيراً المسار السياسي من أجل تنفيذ حل الدولتين وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وقد أثبتت التطورات المتلاحقة أنه لا بديل عن التعامل مع جذور الصراع، وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية والكف عن اتباع نهج ادارة الصراع بالأدوات العسكرية.
السادة الحضور،
أُود أن اختتم كلمتي لكم اليوم بالتأكيد على ضرورة توحيد رسالة دول حركة عدم الانحياز، والتي لطالما تبنت موقفاً داعماً للقضية الفلسطينية، للمجتمع الدولي لإبراز أن مُعاناة الشعب الفلسطيني في كامل الأرض الفلسطينية المُحتلة على مدار العقود الماضية لن تتوقف سوى بالاعتراف بدولة فلسطين ومنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والعمل على تنفيذ رؤية حل الدولتين وفقاً للمرجعيات الدولية، وأن التسويف في حل تلك القضية يُعرّض المنطقة، بل والعالم بأسره لعدم الاستقرار ويخاطر بالمزيد من التصعيد دون أفق منظور لانتهاء هذه الأزمة.
وشُكراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.