الحضور الكريم،
يطيب لي بدايًة أن أتوجه بالشكر لمبادرة الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة بالدعوة لهذا الاجتماع الهام، الذي يُعقد في لحظة تاريخية فارقة من عمر السودان الشـقيق يمر خلالها هذا البلد الجار بأزمة عميقة لها تداعياتها السلبية على السلم والأمن الإقليميين والدوليين.
السيدات والسادة،
رُغم كافة المبادرات المطروحة لتحقيق السلام والاستقرار في السودان، تستمر الأزمة السودانية في عامها الثاني، الذي سالت خلاله دماء الآلاف من المدنيين، وتدمرت العديد من المرافق الحيوية، وتعرضت الممتلكات العامة والخاصة لخسائر جمة، بالإضافة إلى النقص الحاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية، بما أدى إلى تداعيات كارثية على مُجمل الأوضاع الإنسانية، الأمر الذي دفع أكثر من 10 مليون مواطن إلى النزوح داخليًا، فضلاً عن لجوء ملايين آخرون إلى دول جوار السودان هاربين من الحرب والدمار.
السيدات والسادة،
لا يفوتني الإشادة بالجهد الكبير والموقف النبيل الذي اتخذته دول جوار السودان التي استقبلت ملايين من الأشقاء السودانيين، وشاركت مواردها المحدودة في ظل وضع اقتصادي عالمي بالغ الصعوبة. وأطالب، من هذا المنبر، المجتمع الدولي بالوفاء بتعهداته المُعلن عنها في "المؤتمر الإغاثي لدعم السودان" الذي عقد بجنيف في شهر يونيو ٢٠٢٣، و"المؤتمر الدولي لدعم السودان ودول الجوار" الذي عقد في باريس منتصف أبريل 2024 لسد الفجوة التمويلية القائمة، والتي تناهز نحو 75% من إجمالي الاحتياجات.
الحضور الكريم،
منذ اندلاع الأزمة في السودان، استقبلت مصر نحو مليون ومائتي ألف من الأشقاء السودانيين انضموا إلى ما يقرب من خمسة ملايين مواطن سوداني يعيشون فيها. كما قدمت الحكومة المصرية، مساعدات إغاثية عاجلة، ومستلزمات طبية للأشقاء السودانيين، واستمرت في توفير الخدمات الأساسية لهم، كمشروع الربط الكهربائي.
السيدات والسادة
رُغم فتح مصر أبوابها للأشقاء السودانيين، إلا أنه من الضروري إدراك أنه لن يمكن لمصر ولدول الجوار الأخرى الاستمرار في تحمل كافة هذه الأعباء بمفردها، خاصًة فيما يتعلق بالاستمرار في استضافة مئات الآلاف الذين دخلوا البلاد بشكل غير شرعي. ولذا أؤكد على ضرورة أن تتحمل الدول والمنظمات المانحة مسئوليتها الإنسانية، وأن توجّه الدعم والمساندة لمصر وباقي دول الجوار لكي تتمكن من الاستمرار في الاضطلاع بتلك الجهود المضنية، والمرهقة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، حيث أنه من غير المعقول أن تتحمل دول الجوار وحدها وطأة تلك الأزمة وعواقبها الإنسانية الوخيمة، في ظل ضآلة الدعم الذي تتلقاه من المجتمع الدولي.
السادة الحضور،
ترحب مصر بالتعاون مع كافة المبادرات الإقليمية والدولية الرامية لإنهاء الحرب وانتزاع فتيل الأزمة في السودان، وتشيد بالجهود التي يبذلها كافة المبعوثين الدوليين الخاصين للسودان للتوصل إلى أرضية مشتركة وصولاً لإسكات البنادق داخل السودان. وأؤكد لكم إن مصر على استعداد تام للتعاون وتقديم كل سبل الدعم لتيسير إنفاذ المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى كافة ربوع السودان.
السيدات والسادة،
إن التزام مصر الراسخ لتحقيق السلام والاستقرار في السودان دعاها إلى إطلاق مبادرة دول جوار السودان، في يوليو ٢٠٢٣، لإرسال رسالة موحدة تؤكد على أهمية وقف إطلاق النار، وعقد مشاورات سياسية شاملة، والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الصراع المسلح. وتنفيذًا لمُخرجات تلك المبادرة، شاركت مصر بإيجابية، في العديد من المبادرات الساعية لوقف إطلاق النار، وعملت على التنسيق بين الجهود المختلفة لتسوية هذه المشكلة.
ففي مؤتمر باريس الدولي لدعم السودان ودول الجوار، حرص الوفد المصري على تقديم مقترحات لدعم الجهود الإنسانية تشمل إقامة مستودعات إغاثية للأغذية والأدوية في المناطق الحدودية مع السودان، بالإضافة إلى إرسال فرق طبية مُجّهزة إلى المستشفيات السودانية، وأخرى متنقلة للمساهمة في تخفيف العبء الطبي.
وفي إطار الدفع بالمسار السياسي لسودان ما بعد الحرب، استضافت مصر في 6 و7 يوليو الماضي مؤتمر القاهرة للقوى السياسية المدنية السودانية، من أجل التوصل إلى توافق حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان يتأسس على رؤية سودانية دون تدخلات خارجية، عبر حوار وطني سوداني خالص جمع للمرة الأولى كافة القوى المدنية السودانية.
الحضور الكرام،
إن الوضع في السودان يحتم علينا جميعًا التعاون والتنسيق المخلص من أجل الخروج من هذا المعترك، ولذا كانت المشاركة المصرية النشطة في مباحثات سويسرا التي عقدت في أغسطس الماضي، والتي انبثق عنها مبادرة "تحالف تقدم وإنقاذ الحياة والسلام في السودان" ALPS، واستمر الفريق المصري في المشاركة بقوة في الاجتماعات التي عقدها التحالف على مدار الفترة الماضية بهدف الدفع نحو تحقيق الأهداف المرجوة منه.
السيدات والسادة،
إن أهدافنا واحدة، وهي: التوصل سريعًا لنهاية لهذا القتال الدامي، والعمل على نجاح المرحلة الانتقالية في السودان، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية للمدنيين الأبرياء. وأؤكد – في هذا الصدد - على أهمية الحفاظ على كافة مؤسسات الدولة السودانية، فقد علمتنا التجربة أن انهيار المؤسسات الوطنية هو انهيار للدولة بأسرها.
في ختام حديثي، أعاود التأكيد على أن مصر لن تدخر جهدًا للعمل على خروج السودان من محنته الحالية بالتعاون بيننا جميعًا، ومع كافة الأطراف الساعية لوقف الحرب، وعودة الاستقرار لهذا البلد العزيز.