السيد جوزيب بوريل
الممثل الأعلى للشؤون السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي
السادة وزراء خارجية دول المنتدى
السيد السفير بانكولي آدويه
مفوض السلم والأمن للاتحاد الأفريقي
السادة رؤساء الوفود
أودُ أن أرحب بحضراتكم في اجتماعنا الوزاري السنوي الرابع عشر للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ذلك المنتدى الذي أصبح منذ نشأته كياناً فعالاً ضمن آليات عمل مكافحة الإرهاب متعددة الأطراف، حيث يجمع في أطره دولاً متعددة، لديها إرادة مشتركة، وخبرات متنوعة، ومساهمات مشهودة في مجالات مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف المؤدي له.
لقد أصبحت قضية محاربة الإرهاب من أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية نظراً لخطورتها على أمن وسلامة المجتمعات، وتهديدها لفكرة الدولة الوطنية، واستهدافها لأسس النظام الدولي ومحاولة تفكيكه وهدمه... كل تلك الأمور تضع هذه القضية على رأس أولويات المجتمع الدولي الذي يجب عليه مواصلة اهتمامه بها، منعاً لسقوط المزيد من الضحايا الأبرياء، وتحقيقاً للتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، وضماناً للتمتع بكافة حقوق الإنسان.
وفى هذا السياق، نشدد على ضرورة تفادي أخطاء الماضي التي سمحت بانتشار التنظيمات الإرهابية، وتوفير ملاذ آمن لها، وانتقال عناصرها، بما تسبب في ظاهرة المقاتلين الارهابين الأجانب التي ما زال العالم يعاني منها. ونؤكد أهمية مضاعفة جهود مكافحة الفكر المتطرف والتحريضي، الذي يشكل المظلة الفكرية للتنظيمات الإرهابية، وأن تتحمل كافة الدول مسئولياتها لمواجهة من يتبنون هذا الفكر ويقدمون الدعم له، فضلاً عن ضرورة إيجاد تسويات عادلة للنزاعات الإقليمية والدولية التي تستغلها الجماعات المتطرفة لتجنيد عناصرها.
إن الدور الذي يضطلع به "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"
في هذا الصدد دور محوري، لا يمكن اعتباره مكملاً فقط للأطر القائمة ضمن آليات العمل الدولي متعدد الأطراف، وإنما مُلهماً ومُمِّداً لها بخبرات عميقة ونماذج مطبقة لأنسب السبل لمحاربة الإرهاب، الأمر الذي يساعد تلك الأطر على الاضطلاع بمهامها ويدعم جهود الدول في تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة الدولية لمكافحة الإرهاب.
السادة وزراء الخارجية
السيدات والسادة
ينعقد اجتماعنا السنوي هذا تحت شعار "مكافحة الإرهاب في أفريقيا"، تلك القارة الشابة الغنية بالموارد والتي يُنظر إليها باعتبارها مكون رئيسي من حاضر ومستقبل العالم. ورغم النجاحات التي حققتها عدد من دول القارة في كبح جماح الإرهاب، إلا أن أفريقيا ما زالت نعاني من الإرهاب العابر للحدود، واستغلال الجماعات الإرهابية للفراغات الأمنية لاتخاذ ملاذات آمنة للتدريب والتخطيط وشن الهجمات، وتأجيج الصراعات. لذا فقد كان لزاماً علينا في "المنتدى" أن ندق ناقوس الخطر ونلفت نظر المجتمع الدولي للمخاطر الإرهابية التي تتعرض لها القارة الأفريقية، حيث رأت مصر والاتحاد الأوروبي باعتبارهما الرئيسان المشاركان للمنتدى أهمية في تسليط الضوء على القارة الأفريقية، والدعوة لعقد اجتماعنا السنوي هذا تحت شعار "مكافحة الإرهاب في أفريقيا".
السيدات والسادة
لقد قام المنتدى عبر السنوات الماضية وعبر مؤسساته الملهمة الثلاث بتنفيذ عدد من البرامج في القارة لتطوير وتعزيز قدرات مجتمعاتها لمجابهة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، والتصدي لعمليات التجنيد عبر زيادة درجة وعي المجتمعات والأفراد في الأماكن الأكثر تعرضاً لذلك الخطر.
ونتيجة لتطور الجريمة الإرهابية واعتمادها على التكنولوجيات الحديثة، فقد ركز المنتدى، وعبر مؤسساته الملهمة، على "الأنماط الجديدة والناشئة" في الإرهاب. فعلى سبيل المثال لا الحصر اضطلعت الرئاسة المشتركة للمبادرة الخاصة بالعلاقة بين تغير المناخ والفكر المتطرف - برئاسة ألمانيا وكينيا - بدور بناء للتوعية بالمخاطر الناتجة عن النزوح بسبب التصحر وندرة المياه. كما عمل المنتدى على تطوير أدوات مبتكرة للتصدي لظاهرة تجنيد الإرهابيين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق استخدام التكنولوجيات الحديثة.
السيدات والسادة
إن اعتزامنا تطوير عمل المنتدى في القارة الأفريقية في الفترة المقبلة يستند على إيجاد دور تنسيقي للاتحاد الأفريقي مع الدول الأعضاء ومع المنتدى ومؤسساته الملهمة ومجموعات العمل المنبثقة عنه لتنفيذ برامج مبتكرة وخاصة بكل إقليم لمكافحة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، وبناء قدرات الدول الأكثر تعرضاً لاتخاذ التنظيمات الإرهابية لها كملاذ آمن كدول الساحل والصحراء، ومنطقة القرن الأفريقي.
ولعلكم تتابعون التهديدات التي تتعرض لها منطقة القرن الأفريقي سواء من الجماعات الإرهابية التي تهدف للنيل من استقرار دول القرن، أو استغلال الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة لبعض الأزمات الداخلية التي تتعرض لها دول شقيقة في القرن الأفريقي لاتخاذها ملاذاً آمناً لها، ومنطلقاً لتهديد السلم والأمن في القارة كلها.
إن انتشار التهديدات الإرهابية، وتغير أنماطها أصبح واضحاً في القارة على اتساعها، كما أن انتشار الفكر المتطرف بات يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي للدول، ولذلك تحرص مصر على التعاون مع الأشقاء في أفريقيا عموماً، وفي القرن الأفريقي خصوصاً من أجل تمكينهم من محاربة الإرهاب ومكافحة الفكر المتطرف عبر تعزيز مفهوم الدولة الوطنية وبناء القدرات اللازمة للاضطلاع بهذا الدور، بما في ذلك من خلال جهود مركز القاهرة الدولي لتسوية المنازعات وحفظ وبناء السلام والتعاون القائم بين المركز والاتحاد الأفريقي، فضلاً عن جهود الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية في التصدي للفكر المتطرف والإرهابي.
السيدات والسادة
لا يسعني في النهاية إلا أن أتقدم بالشكر لكافة وفود الدول الأعضاء على ما قدمته خلال العام الماضي من جهد وطرح أفكار ومبادرات، ولتعاونها مع الرئاسة المشتركة للمنتدى، ومع مؤسساته الملهمة. كما أتقدم بالشكر لسكرتارية المنتدى التي تضطلع بأعباء كبيرة بكل كفاءة واقتدار.
كما يهمني أن أؤكد لحضراتكم على أن النجاح الذي حققه المنتدى منذ إنشائه حتى الآن يعود إلى تمسك أعضاؤه بالأسس التي قام عليها وأهمها أن يكون محدداً في أهدافه، بعيداً عن المزايدات والتسييس، ومعتمداً على قاعدة التوافق في إصدار توصياته. وإنني إذ أؤكد على تمسك مصر والاتحاد الأوروبي على الاستمرار في الحفاظ على آليات عمل المنتدى والنأي بها بعيداً عن أي تسييس، لأؤكد لكم على ضرورة استمرار المنتدى في وحدة مواقفه في قضية محاربة الإرهاب.
وشكراً.