- يمر الاقتصاد العالمي بتحديات دولية غير مسبوقة، لاسيما منذ انتشار جائحة كورونا في عام 2021، وما تلاها من أزمات دولية متعاقبة، بحيث أصبحت حالة عدم اليقين الواقع الجديد الذى يشهده عالمنا اليوم، ويزيد من صعوبة هذا الأمر ما يصاحبه من تصاعد منحنى التوترات الجيوسياسية، وحدة التنافس التجاري، والتي تأثرت بها كافة الدول بدرجات متفاوتة، بينما كانت الدول النامية والأقل نمواً الأكثر تأثراً بها، مما ترتب عليه تنامى الديون بشكل غير مستدام، واتساع فجوة عدم المساواة، وزيادة مستويات الفقر بمختلف أشكاله وأبعاده، خاصة في الدول متوسطة الدخل التي أصبحت تستضيف ثلثي فقراء العالم.
- لهذا بدأت تتعالى أصوات الدول في مختلف المحافل الدولية من أجل إصلاح الهيكل المالي العالمي، ومعالجة الاختلالات الهيكلية التي تشوب هذا النظام، وتحد من فعاليته في مواجهة الأزمات الدولية المتعاقبة، وبناء الصمود أمام أزمات دولية مستقبلية، حيث جاء النهج الدولي في التعامل مع جائحة كورونا ليبرز هذه الاختلالات، ويبرهن عدم قدرة المؤسسات الدولية على اتخاذ خطوات جماعية فعالة لحشد التمويل اللازم لدعم الدول في احتواء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية للجائحة؛ ففي عام 2021 تم إعادة تخصيص حقوق سحب خاصة لدى صندوق النقد الدولي بقيمة 650 مليون دولار، حصلت بموجبها الدول المتقدمة على حوالى 450 مليون دولار، وهو ما يمثل 70% من إجمالي القيمة، فيما حصلت الدول الأفريقية، الأكثر احتياجاً، على قرابة 5% من قيمة حقوق السحب التي تم إعادة تخصيصها. ويدفع هذا القصور في النهج القائم العديد من الدول إلى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لإعلاء مصالحها الوطنية، مما يؤدى إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية والإقليمية والمحلية، ويحد من جهود تحقيق التعافي الاقتصادي العالمي، ويقوّض من فعالية التعاون الدولي على مختلف الأصعدة.
- في هذا السياق، تواصل وزارة الخارجية مساعيها بالتنسيق مع الدول مشابهة الفكر سواء في الإطار الأممي أو المحافل الدولية ذات الصلة أو على المستوى الثنائي، وكذا من خلال مشاركة مصر كضيف في مجموعة العشرين تحت الرئاسة الهندية للمجموعة عام 2023، والرئاسة البرازيلية عام 2024، وكذلك في إطار انضمامها إلى مجموعة البريكس منذ مطلع هذا العام للدفع بمصالح الدول النامية والأقل نمواً في إطار عملية إصلاح الهيكل المالي العالمي. وترى مصر أنه لا يتعين على الدول النامية المفاضلة بين تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة تحديات تغير المناخ، الأمر الذي يتطلب تبنى نهج مشترك لمواءمة مصادر التمويل لتحقيق أهداف اتفاقية باريس لدفع العمل المناخي، بما لا يأتي على حساب تحقيق التنمية المستدامة، أو يزيد من مشروطيات حصول الدول النامية على مختلف مصادر التمويل، أو يعيق النفاذ إليه. كما يتطلب الأمر استحداث آليات تمويل جديدة، وتعزيز فاعلية الآليات القائمة، ومنها بحث أفضل البدائل لإعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة، وإصلاح سياسات وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف لتعزيز قدرتها على دعم الدول النامية في الحصول على مختلف مصادر التمويل، ومنها أدوات التمويل الميسر والمختلط والمبتكر، وأدوات غير الاستدامة. كما أنه من الضروري إصلاح هيكل الديون العالمي، من خلال استحداث آليات شاملة لإدارة ديون الدول متوسطة الدخل والدول منخفضة الدخل بشكل مستدام.
- تم تدشين مؤسسات "بريتون وودز" منذ ثمانية عقود لوضع البنية التحتية للاقتصاد العالمي بمفهومه الحديث في أعقاب الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، غير أن تسارع وتيرة تغير السياق الدولي وتطور الاقتصاد العالمي باتت تحتم أهمية تحديث هذه المؤسسات، بما يتواكب من التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجهها الدول.