١. رؤية مصر لأهمية القضايا المعنية بالمياه على المستوى الدولي، والدور الذي اضطلعت به مصر لدفع العمل متعدد الأطراف على مستوى قضايا المياه خلال الفترة الأخيرة:
يعد تأمين مصالح مصر المائية وصون حقوقها المائية أحد أبرز أولويات وزارة الخارجية وجميع مؤسسات الأمن القومي المصري؛ حيث تعمل تلك المؤسسات بجد وإخلاص لحماية مقدرات الشعب المصري والدفاع عن مصدر الحياة الوحيد لملايين المصريين منذ فجر التاريخ. ويأتي ذلك في إطار التزام الدولة المصرية في دستورها بحماية نهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به. وبناءً عليه، تعمل الدبلوماسية المصرية بفاعلية في مختلف المحافل الدولية لشحذ الدعم الدولي لموقف مصر تجاه مختلف موضوعات المياه، والذي تتمثل أهم محاوره في الآتي:
أ. إن المياه حق أساسي من حقوق الإنسان يحق للجميع التمتع به من دون أي تمييز، وأهمية مراعاة أولوية المياه في تلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان من الشرب والغذاء:
يواجه العالم العديد من التحديات الجسام المرتبطة بالمياه؛ فلا يستطيع حوالي ملياري شخص في العالم الوصول إلى مياه الشرب الآمنة اليوم، ويعاني ما يقرب من نصف سكان الأرض من ندرة حادة في المياه لجزء من العام على الأقل. كما أن أكثر من ٤٠٠ مليون أفريقي لا يحصلون على مياه الشرب المأمونة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تغير المناخ والنمو السكاني وتفاقم ندرة المياه سيؤدي إلى مزيد من الضغط على الإمدادات الغذائية، حيث أن معظم المياه العذبة المستخدمة في العالم، حوالي ٧٠٪ في المتوسط وأكثر من ٨٥٪ من المياه في البلدان النامية، تستخدم في الزراعة.
إن مصر تعاني من وضعية ندرة مائية فريدة من نوعها دولياً، حيث تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة؛ باعتبارها الدولة الأقل من حيث الأمطار بين كافة دول العالم، وتعاني من الشح المائي والفقر المائي الشديد، حيث سيبلغ نصيب الفرد في مصر من المياه نصف حد الفقر المائي المدقع الذي حددته الأمم المتحدة، أي حوالي ٥٠٠ متر مكعب فقط من المياه سنويا، بنهاية العام الحالي. وفي إطار هذا الواقع، كانت مصر عبر العصور مُلتزمة بالحفاظ على مياه نهر النيل الذي تستمد منه أكثر ٩٨٪ على الأقل من احتياجاتها المائية، وهي الموارد التي يذهب أكثر من ٧٥% منها للإسهام في استيفاء الاحتياجات الغذائية للشعب المصري عبر الإنتاج الزراعي، علما بأن قطاع الزراعة يمثل مصدر الرزق لأكثر من ٥٠% من السكان؛ فالحفاظ على المياه إنما هي قضية وجودية ومسألة أمن قومي لمصر.
تؤكد مصر أن الوصول إلى مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي بطريقة أمنة وبأسعار ميسورة وكافية هو حق أساسي من حقوق الإنسان يحق لجميع الناس التمتع به من دون أي تمييز؛ فالمياه كالهواء، لا غنى عنها لبقاء الإنسان؛ ومن ثم فإن المياه تعد شرطاً مُسبقا لضمان حق الإنسان في الحياة، وبالتبعية سائر حقوق الإنسان. وبناءً على تلك المعطيات، تدرك مصر حتمية التعامل الدولي والإقليمي الفعّال مع تحديات الأمن المائي.
كما تقدر مصر أن هناك حاجة ملحة للعمل على تطوير إطار عالمي لإدارة المياه، بحيث يعطي الأولوية القصوى لتأمين المياه اللازمة للحفاظ على حياة الناس؛ فإن مياه الشرب ومياه الطعام (أي المياه اللازمة لإنتاج الغذاء) تلبي احتياجات الإنسان البيولوجية الحيوية. ومع ذلك، فإن التقدم البشري نفسه، بالإضافة إلى النمو السكاني، أدى إلى تكثيف الضغوط على الموارد المائية. وبالتالي، أصبح تخصيص المياه بين الاستخدامات المختلفة أحد التحديات الأكثر إلحاحا.
إن أي دعوة لتسليع المياه تهدد مجموعة واسعة من حقوق الإنسان، ولا يمكن توزيع المياه بين الاستخدامات المختلفة وفق معايير اقتصادية بحتة؛ فالماء حق إنساني واجتماعي، وليس سلعة اقتصادية في المقام الأول؛ فإن تحويل المياه إلى سلعة سيؤدي إلى تفاقم فجوة التفاوت الاجتماعي على مستوى العالم ويهدد بقاء الفئات الأكثر فقرا والسكان الذين يعيشون في مناطق معرضة بشكل خاص بالفعل للإجهاد المائي، كما هو الحال في مصر، الدولة شديدة الجفاف التي تعتمد بشكل كامل تقريبا على نهر النيل في وجودها. كما يعتمد الاقتصاد المصري على المياه، لاسيما قطاع الزراعة؛ الذي يعاني من ضغوط مائية لتلبية الاحتياجات الغذائية للمصريين البالغ عددهم ١٠٦ ملايين نسمة، بالإضافة إلى الاحتياجات الغذائية لما يقرب من ٩ ملايين من اللاجئين والمهاجرين
ب. يمثل تغير المناخ تحدياً إضافياً لمساعي توفير المياه وضمان استدامتها، ويترتب على ذلك تعقيدات إضافية أمام الأمن الغذائي، خاصة في المناطق القاحلة، والتي تعاني من ندرة مائية:
يمثل تغير المناخ تحديا خطيرا لجميع الدول، ولكن آثاره أشد وطأة على البلدان القاحلة وشبه القاحلة، حيث تشكل ندرة المياه التهديد الرئيسي لتلبية الاحتياجات الإنسانية الحيوية من مياه الشرب والغذاء وكل بعد آخر من أبعاد التنمية البشرية. وتعتبر مصر خير مثال للدول التي تعاني من التحديات المُركبة المترتبة على تغير المناخ والندرة المائية، حيث من المتوقع أن تتأثر مصر بتأثيرات تغير المناخ، ليس فقط داخل حدودها، ولكن أيضًا داخل حوض نهر النيل بأكمله الذي تشترك فيه مع ١٠ دول أخرى.
إن تخفيف الضغوط على المياه من الأنشطة الاقتصادية أمر لا غنى عنه وشرط أساسي؛ لتحقيق استدامة المياه والقدرة على التكيف مع تغير المناخ. ويتمثل التحدي الرئيسي أمام بناء إدارة مياه قادرة على الصمود في وجه تغير المناخ في سوء التنسيق والربط بين الأنظمة المختلفة لإدارة المياه. ولذلك تؤكد مصر على أهمية إجراءين مترابطين للتغلب على هذا التحدي المركب:
أولاً: تعميم أطر سياسات الإدارة المتكاملة للموارد المائية وربطها بالأطر الأخرى المتعلقة بالنظم البيئية والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها.
ثانياً: تطوير واعتماد آليات وطنية للتنسيق بين القطاعات المختلفة المعنية بالمياه، وكذا سياسات متفق عليها ومتبادلة المنفعة وغير ضارة للتكيف التعاوني في قطاع المياه.
توصل مؤتمر COP27 إلى اتفاق استثنائي بشأن إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" للدول المتضررة بشدة من الكوارث المناخية؛ ولمواصلة هذا الإنجاز والبناء عليه، تقدّر مصر أن هناك حاجة إلى اعتماد "عملية مشتركة بين الأطراف inter-COP process لربط ودمج القرارات المتعلقة بالمياه بشكل كامل في الاتفاقيات والأطر العالمية.
يمثل الافتقار إلى معلومات دقيقة وشاملة تحديًا رئيسيًا للعمل المناخي والقدرة على الصمود. وبالتالي؛ فإن وجود نظام عالمي يوفر المعلومات الخاصة بالمياه يعد شرطًا أساسيًا للعمل المناخي المرتبط بالمياه والحد من مخاطر الكوارث.
لايزال تعبئة التمويل وتخصيصه لإدارة المياه القادرة على التكيف مع تغير المناخ والعمل المناخي المتعلق بالمياه تحديًا كبيرًا. ولذلك، هناك حاجة ملحة لتعظيم الاستفادة من مبادرات المناخ الحالية المتعلقة بالمياه ومبادرات المياه المتعلقة بالمناخ، وفي مقدمتها المبادرة الرئاسية التي أطلقتها مصر خلال مؤتمر المناخ COP27 بشأن "العمل على التكيف مع المياه والقدرة على الصمود" (AWARe)، وكذلك مُبادرة "الإنذار المبكر للجميع" التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، وغيرها من المبادرات الدولية التي تشارك مصر فيها بفعالية.
ج. إن التعاون فيما يتعلق بموارد المياه المشتركة أمر لا غنى عنه، مع حتمية مراعاة الالتزام بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق من أجل تعاون مائي فعّال عابر للحدود:
إن حوالي ٤٠٪ من سكان العالم يعيشون في أحواض الأنهار والبحيرات العابرة للحدود. وتشكل الإجراءات غير التعاونية والأحادية التي تتجاهل الامتثال للقانون الدولي تحديا كبيرا للتعاون عبر الحدود. إن مصر مُلتزمة متمسكة بموقفها الراسخ والمستند إلى القانون الدولي برفض أية إجراءات أحادية في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، وهناك سوابق وأمثلة عديدة ناجحة بالتجمعات والمفوضيات القائمة بين الدول المشاطئة لأنهار دولية في أفريقيا وأوروبا تعكس قدرة الدول التي تتشارك في النهر الدولي على تحقيق مبدأ الفائدة للجميع ومنع الضرر. وفي هذا الإطار تقدر مصر الآتي:
يعد التعاون في مجال المياه العابرة للحدود أمرًا ضروريًا لتحقيق الأهداف والغايات المتعلقة بالمياه في خطة عام٢٠٣٠.
يتعين على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد من الجهد لمعالجة التحديات الجذرية للتعاون عبر الحدود، كما ينبغي تعزيز الإدارة المتكاملة للموارد المائية، على جميع المستويات، بما في ذلك من خلال التعاون عبر الحدود.
إن التعاون الفعال في مجال المياه من خلال الاتفاقيات الملزمة والتطبيق الشامل وغير الانتقائي لمبادئ القانون الدولي من شأنه أن يعزز السلام والاستقرار الإقليمي. ومن ناحية أخرى، يؤدي الافتقار إلى التعاون إلى تفاقم النزاعات.
من الضروري الحفاظ على التعاون وتعزيزه بين الدول المتشاطئة على أساس المساواة في الحقوق، ومبادئ القانون الدولي المعمول بها. كما أن التوافق مع مبادئ القانون الدولي يتطلب اتباع نهج شامل وغير انتقائي، وأي استخدام للمياه لا يتوافق مع هذه المبادئ هو بطبيعته غير عادل.
وفقا للقانون الدولي، فإن السعي إلى الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة لا ينبغي أن يؤدي إلى إلحاق ضرر ذي شأن. بالإضافة إلى ذلك، يتعين أن يشمل التعاون، على سبيل المثال لا الحصر، الإخطار المسبق والتشاور بشأن التدابير المخطط لها، وإجراء دراسات الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على التدابير المخطط لها، وتبادل البيانات.
يمكن للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، إلى جانب تبادل البيانات والتنبؤ والرصد المشترك، أن تساهم بشكل إيجابي في التعاون في مجال المياه العابرة للحدود.
٢. موقف مصر تجاه موضوعات مياه النيل والتعاون في حوض نهر النيل:
على الرغم من أن مساحة الأراضي المصرية تزيد قليلاً عن مليون كيلومتر مربع، إلا أن مصر عبارة عن واحة صحراوية لا تزيد مساحتها المأهولة بالسكان عن ٧٪ من مساحة البلاد. وتعد مصر، التي يبلغ عدد سكانها ١٠٦ ملايين نسمة، واحدة من أكثر الدول كثافة سكانية والتي تعاني من ندرة حادة في المياه؛ حيث تبلغ حصة المصريين من المياه حاليا ٥٦٠ مترا مكعبا للفرد سنويا، ومن المتوقع أن تنخفض إلى أقل من ٥٠٠ متر مكعب للفرد سنويا بحلول عام ٢٠٢٥، وتعد المياه المتاحة لمصر غير كافية بالفعل. وعلى الرغم من أن مصر يرد إليها ٥٥٫٥ مليار متر مكعب سنويا، فإن احتياجات مصر من المياه تزيد عن ٨٠ مليار متر مكعب سنويا. ويتم سد هذا العجز من خلال إعادة تدوير المياه وإعادة استخدامها بشكل مكثف، مما يجعل نظام إدارة المياه في مصر فعالاً بشكل كبير.
يمثل نهر النيل أهمية وجودية لمصر؛ حيث أن مصر، باعتبارها الدولة الأكثر جفافاً في العالم، تعتمد على مياه نهر النيل بشكل شبه مطلق لمواردها المائية المتجددة؛ مما يعني أن مصر تتأثر سلباً بشكل خاص بالأنشطة والمشروعات غير المخطط لها وغير المستدامة عبر حوض النيل، ويذهب ما لا يقل عن ٧٥% من الموارد المائية في مصر للإسهام في استيفاء الاحتياجات الغذائية للشعب المصري عبر الإنتاج الزراعي، علماً بأن قطاع الزراعة يمثل مصدر الرزق – سواء بشكل مباشر او غير مباشر -لنحو ٦٠ مليون من السكان. كما أن انخفاض بمقدار مليار متر مكعب فقط من المياه يؤدي إلى خسارة ٢٩٠ ألف شخص لمصدر رزقهم في قطاع الزراعة وحده، وخسارة ١٣٠ ألف هكتار من الأراضي المزروعة، وزيادة قدرها ١٥٠ مليون دولار في الواردات الغذائية، وخسارة ٤٣٠ مليون دولار من الإنتاج الزراعي. ومع تزايد نقص المياه واستمراره على مدى فترة طويلة، فإن الآثار المترتبة على كل قطاع من قطاعات الاقتصاد المصري لا تقدر بثمن.
وفي هذا الصدد، فإن وجود تعاون مائي فعّال عابر للحدود يُعد بالنسبة لمصر أمراً وجودياً، لا غنى عنه؛ ولذلك قادت مصر الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي بين دول حوض النيل؛ فكانت البدايات مع قيام مشروع "الهيدرومت" عام ١٩٦٧، ثم تأسيس مجموعة "الاندوجو" عام ١٩٨٣، ثم "التيكونيل" عام ١٩٩٢، وصولا إلى مُبادرة حوض النيل.
كما يُعد التعاون المائي العابر للحدود أمرًا حيويًا لمصر في ضوء أنها تعاني من التحديات المُركبة المترتبة على تغير المناخ والندرة المائية؛ باعتبارها دولة المصب الأخيرة بنهر النيل، ومن ثم فهي لا تتأثر فحسب بالتغيرات المناخية التي تجري في حدودها، وإنما عبر سائر دول حوض النيل بأسره، كما أن وجود تعاون مائي فعَّال يعد عاملاً رئيسياً لتسريع تنفيذ الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة وأهداف التنمية المستدامة الأخرى المتعلقة بالمياه، مثل الحد من الفقر وتغير المناخ والأمن الغذائي والصحة.
وتقدّر مصر أنه لتحقيق تعاون عابر للحدود فعَّال، يجب أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى الحوض متكاملة، مع حتمية الالتزام بمبادئ القانون الدولي، وخاصة مبدأ التعاون والتشاور بناءً على دراسات مستفيضة؛ وهو المبدأ الذي يُعد ضرورة لا غنى عنه لضمان الاستخدام المنصف للمورد المشترك وتجنب الضرر ذي شأن. وفي هذا الصدد، ومنذ قيام بعض دول حوض النيل بالتوقيع على مسودة غير مكتملة وغير متوافق عليها من الاتفاقية الإطارية للتعاون عام 2010، تعرب مصر دائماً عن استعدادها لاستئناف مشاركتها الفعّالة في مُبادرة حوض النيل، إذا ما استعادت جميع دول الحوض التزامها بالعمل بمبدأ التوافق المستند على عدم اعتراض أي من الدول في اتخاذ القرارات، بحيث تكون القرارات بالإجماع وليس الأغلبية؛ وذلك للحفاظ على حقوق جميع دول حوض النيل، والالتزام بمبدأ الإخطار المُسبق، بما يقتضيه من إجراء دراسات وافية عن الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية للمشروعات التي يتم إقامتها على نهر النيل وفقًا للمعايير الدولية، واستعادة الشمولية في إطار المبادرة.
تؤكد مصر - انطلاقا من إيمانها بوحدة المصير مع دول حوض النيل - بأنها لن تألو جهداً في مواصلة التعاون مع دول حوض النيل؛ والذي يعد أحد أهم ثوابت العمل المصري الأفريقي المشترك، خاصة في ظل ما تمتلكه مصر من إمكانات بشرية وخبرات فنية ومؤسسية متنوعة في مجال الموارد المائية وغيرها من المجالات؛ فإن التحديات المُعقدة والمتشابكة السياسية والأمنية والاقتصادية تدفع جميع الدول الأفريقية إلى تقديم مساحات الاتفاق على نقاط الاختلاف من أجل صالح الشعوب ورفاهيتها. كما أن معطيات الواقع الاقتصادي، تفرض ضرورة التعاون الافريقي من أجل استقطاب التمويلات الضخمة اللازمة لدفع عجلة المشروعات الأكثر إلحاحًا لمواجهة التحديات المرتبطة بالمياه في أفريقيا ولتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تعود بالخير والرخاء على جميع الدول الأفريقية.
وفي هذا الإطار ورغم أن مصر، مثلها مثل مختلف دول العالم، واجهت تحديات اقتصادية متصاعدة ومتشابكة على مدى السنوات الماضية، فإنها عازمة على مواصلة التعاون مع دول حوض النيل؛ فلقد انخرطت مصر في مشروعات تعاون مع دول حوض النيل، بما ذلك توفير مياه الشرب ومياه الخزانات وبناء السدود، فضلاً عن إنشاء أكثر من ٣٤٠ بئر مياه في دول حوض النيل، وإنشاء مراسي نهرية لخدمة أغراض الصيد والملاحة، وخزانات أرضية وسدود حصاد مياه الأمطار، وإنشاء مراكز التنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية، وقامت بتطهير بعض المجاري المائية من الحشائش العائمة، بالإضافة إلى تدريب وبناء قدرات عدد ١٦٥٠ متدرب من ٥٢ دولة أفريقية.
وفيما يتعلق بالسد الإثيوبي، وفي ضوء الندرة المائية المصرية الفريدة من نوعها واعتمادها شبه المطلق على نهر النيل، سعت مصر للتوصل لتسوية سلمية متوازنة لقضية السد الإثيوبي على مدار أكثر من أثنى عشر عاماً؛ بالرغم من مخالفة السياسة الإثيوبية الأحادية للقانون الدولي وانتهاكها لقواعد القانون الدولي المتعلقة بالسدود المنشأة على المجاري المائية العابرة للحدود، وفي مقدمتها عدم الإضرار والتعاون والإخطار المسبق، إلا أن المفاوضات لم تثمر عن نتيجة بسبب التعنت الإثيوبي وعزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، وهو ما بات معه واضحا لمصر أن المسارات التفاوضية قد انتهت وأن الأداة التفاوضية قد استنفذت. وأن مصر ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السدود الإثيوبية مع احتفاظها بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للحفاظ على أمنها المائي والقومي إزاء ما قد يتعرض له من ضرر جراء الممارسات الإثيوبية الأحادية.
٣. أبرز أوجه انخراط مصر في الآليات الدولية والإقليمية ذات الصلة بقضايا المياه:
تساهم مصر بفاعلية في شحذ الجهود الدولية والإقليمية لمعالجة تحديات المياه ودرء التهديدات التي تواجه تنفيذ الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة. وتتمثل أبرز جهود مصر في هذا الإطار في الآتي:
ساهمت مصر بفعالية في جهود التي أدت إلى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرار "العقد الدولي (٢٠١٨–٢٠٢٨) للعمل – المياه من أجل التنمية" في ديسمبر ٢٠١٦؛ للمساعدة في زيادة التركيز على المياه خلال عشر سنوات، وحشد الجهود للعمل على تغيير طريقة إدارة المياه من أجل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر والجوع.
وفي ذات السياق، ساهمت مصر بفاعلية في مؤتمر "الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة لعقد المياه" الذي استهدف استعراض دول العالم التقدم المُحرز في تنفيذ أهداف "عقد العمل من أجل المياه (٢٠١٨ – ٢٠٢٨)"، وتحديد العقبات التي تواجه تحقيق هذه الأهداف ووضع الطرق المبتكرة لدعم تنفيذها وتسريع التقدم في هذا المجال.
كانت مصر من طليعة الدول التي أكدت على أهمية استحداث منصب مبعوث الأمم المتحدة للمياه؛ مما سيساهم في تعزيز دور الأمم المتحدة في التواصل مع مختلف الفاعلين المعنيين بموضوعات المياه، بالإضافة إلى دعم دورها الرئيسي في تعبئة الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف ومواجهة التحديات المرتبطة بالمياه.
شاركت مصر بقوة في جهود إصدار الجمعية العامة قرار هام، في سبتمبر ٢٠٢٣، حول متابعة أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه المنعقد في مارس ٢٠٢٣. ولأول مرة، أصبحت الأمم المتحدة تمتلك رؤية واضحة حول المياه، بما في ذلك ترتيب مؤتمرين للمياه في عاميّ ٢٠٢٦ و٢٠٢٨. وتتطلع مصر -في إطار تنفيذ قرار الجمعية العامة 77/334 الخاص بمتابعة نتائج مؤتمر الأمم المتحدة للمياه ٢٠٢٣- إلى قيام السكرتير العام بتقديم استراتيجية الأمم المتحدة الداخلية الشاملة للمياه قبل نهاية الدورة ال٧٨ للجمعية العامة؛ وذلك لتعزيز التنسيق وتحقيق الأولويات ذات الصلة، خاصة المتعلقة بالدول النامية وفي مقدمتها التمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات.
قامت مصر بوضع المياه في قلب العمل المناخي لأول مرة خلال رئاستها لمؤتمر المناخ COP27. كما نجحت مصر خلال مشاركتها بفعاليات مؤتمر المناخ COP28 في الاستمرار في وضع المياه على رأس أجندة العمل المناخي العالمي، وساهمت في إدراج المياه في القرارات الرئيسية للمؤتمر على غرار ما تحقق في مؤتمر COP27، وقامت بحشد الدعم من مختلف الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لدعم مُبادرة AWARe.
تم تدشين "المركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي" تحت مظلة مُبادرة AWARe؛ والذي يهدف إلى تنفيذ حزم تدريبية متنوعة في مجالات إدارة المياه، بهدف بناء كوادر، خاصة في أفريقيا، قادرة على التعامل مع تحديات المياه في ظل التغيرات المناخية المتزايدة.
تولت مصر رئاسة مجلس وزراء المياه الأفريقي (الامكاو) اعتبارًا من شهر فبراير ٢٠٢٣ ولمدة عامين، ومن أهداف الرئاسة المصرية العمل على تحقيق تقدم في ملف المياه على مستوى القارة الأفريقية، كما تسعى لإبراز التحديات التي تواجه القارة على الأجندة العالمية وتعزيز التعاون بين دول القارة لمعالجة قضايا المياه.
تحرص مصر على المساهمة بفاعلية في صياغة مختلف القرارات الخاصة بالمياه في مختلف الاُطر متعددة الأطراف، مثل منظمة عدم الانحياز، منظمة التعاون الإسلامي، جامعة الدول العربية، الاتحاد الافريقي، وغيرها.
تنظم مصر "اسبوع القاهرة للمياه" بنجاح منذ عام ٢٠١٨، وتشارك مصر في مختلف المحافل المتعددة الأطراف لمعالجة التحديات المرتبطة بالمياه، مثل الاسبوع العالمي للمياه في ستوكهولم، ومؤتمر دوشانبي للمياه. كما تشارك مصر بنشاط في جميع المُبادرات الدولية المتعلقة بالمياه، بما في ذلك مُبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة "الإنذار المبكر للجميع" بهدف ضمان حماية كل شخص على وجه الأرض من خلال نظم الإنذار المبكر بحلول عام ٢٠٢٧.
ساهمت مصر، مع فنلندا، في تأسيس المجموعة العابرة للأقاليم عام ٢٠٢١، حيث دفعت المجموعة إلى تطوير أعمال المياه الدولية على أُسس الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، مع العمل على ضمان المساواة في التمتع بحقوق الإنسان في المياه وخدمات الصرف الصحي، خاصة بالدول التي تعاني من الندرة المائية والبلدان النامية التي تعتبر الاكثر احتياجا للإدارة المتكاملة للموارد المائية. وكان للمجموعة تحركات بارزة منها البيان العابر للأقاليم بشأن المياه الذي انضمت إليه ١٦٨ دولة و١١ منظمة، كما نظمت المجموعة احتفالية "علامة عام واحد" في يوم المياه العالمي عام ٢٠٢٢.
قامت مصر في ديسمبر ٢٠٢٣ بالتوقيع مع الاتحاد الأوروبي على "إعلان الشراكة المائية بين مصر والاتحاد الأوروبي"، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) في دبي. وفي ذات السياق، يعد محور التعاون في مجال المياه أحد المحاور الرئيسية للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي التي تم اطلاقها في ١٧ مارس ٢٠٢٤، حيث اتفقت مصر والاتحاد الأوروبي على مجالات التعاون في مجال المياه على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي. كما أكد الاتحاد الأوروبي اعتماد مصر الكبير على مياه نهر النيل في سياق ما تعانيه من ندرة مائية، وكرر الاتحاد الأوروبي دعمه للأمن المائي في مصر، في سياق ما تعانيه من ندرة مائية، والامتثال للقانون الدولي، مع التذكير بأن مبدأ "عدم الإضرار" يعد مبدأ توجيهياً في الصفقة الأوروبية الخضراء.
جميع الحقوق محفوظة للحكومة المصرية 2023
محددات وأولويات السياسة الخارجية