الموقف المصري من القضية الفلسطينية
إن ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية هو ارتباط دائم ثابت تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية مع شعب فلسطين. لذلك لم يكن الموقف المصري من قضية فلسطين في أي مرحلة يخضع لحسابات مصالح آنـية، ولم يكن أبداً ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، وبالتالي فإن ارتباط مصر العضوي بقضية فلسطين لم يتأثر بتغير النظم والسياسات المصرية.
قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ كان ما يجرى في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت حرب عام ١٩٤٨، كما سعت مصر الى توحيد الموقف العربي من خلال جامعة الدول العربية، حيث اجتمع ملوك ورؤساء وممثلو ٧ دول عربية في " أنشاص" عام ١٩٤٦ للتباحث حول التطورات في فلسطين. وعليه قرر المجتمعون التمسك بحق الفلسطينيين في تقرير المصير ولضمان ذلك خاضت الدول العربية وعلى رأسها مصر حرب ١٩٤٨ رداً على الإعلان الأحادي لدولة إسرائيل واستخدامها للعنف في التهجير القسري للفلسطينيين من المدن والقرى الواقعة ضمن الأراضي الفلسطينية التاريخية (وفقا لخطة التقسيم الأممية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم ١٨١)
بالإضافة إلى دفع مصر للعمل على إيجاد حل عادل ومنصف، وفقاً لقواعد القانون الدولي ومرجعيات الشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، بما يؤدي إلى سلام شامل وعادل يضمن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، فقد ساعدت مصر في تمرير عدد من القرارات الأممية على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة - ضمن المجموعة العربية والإسلامية - لمحاولة التوصل لحل الدولتين ومنح الدولة الفلسطينية عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ونجحت بالفعل في دعم السلطة الفلسطينية في الحصول على عضوية "صفة مراقب" في الأمم المتحدة عام ٢٠١٢، لمنح الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير وإنشاء دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧.
كما كان لمصر دوراً كبيراً في توحيد الصف الفلسطيني من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وتقديم الدعم لها، وساندت مصر قرار المنظمة بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني في القمة العربية الثانية التي عقدت في الاسكندرية في سبتمبر ١٩٦٤. كما اعلنت مصر والدول العربية في اكتوبر ١٩٧٤ مناصرة حق الشعب الفلسطيني في إقامة سلطة وطنية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وعليه أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراها رقم (٣٣٧٥) لعام ١٩٧٥ بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلب تقدمت به مصر.
وفي إطار جهود مصر المضنية لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، طرحت مصر خطة للسلام عام ١٩٨٩ والتي تضمنت ضرورة حل القضية الفلسطينية طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢، ومبدأ الأرض مقابل السلام ووقف الاستيطان الإسرائيلي. وفي سبتمبر عام ١٩٩٣ شارك رئيس الجمهورية الاسبق في توقيع اتفاق أوسلو الخاص بحق الفلسطينيين في الحكم الذاتي. وفي عام ٢٠٠٣، أيدت مصر وثيقة «جنيف» بين الاسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع في المنطقة، كما تجسدت الجهود المصرية في مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام ٢٠٠٢ والمبنية على مبدأ الأرض مقابل السلام - الذي ارساه مؤتمر مدريد للسلام عام ١٩٩١ - ورؤية حل الدولتين لشعبين يعيشان جنباً إلى جنب في سلامٍ وأمانٍ والتي اعتمدها مجلس الأمن في قراره رقم ١٥١٥ لعام ٢٠٠٣.
وفي ظل عضوية مصر في مجلس الأمن الدولي في الفترة من ٢٠١٦ - ٢٠١٧، نجحت الدبلوماسية المصرية - في ضوء المبادرات التي أطلقتها خلال فترتي رئاستها للمجلس – في إعادة التركيز على حقوق الفلسطينيين بما أسهم في اعتماد القرار التاريخي ٢٣٣٤ بشأن الاستيطان.
تبذل مصر جهوداً مضنية - في ظل حالة الجمود القائمة - لتشجيع أطراف النزاع على العودة مجددا إلى طاولة المفاوضات، حيث تؤكد مصر على التزامها التاريخي بدعم الشعب الفلسطيني عبر القيام بالعديد من الخطوات لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتثبيت الهدنة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وآخرها في مايو ٢٠٢١، والعمل على تهيئة المناخ الملائم لإعادة استئناف المفاوضات، فقد استضافت مصر الحوار الفلسطيني - الفلسطيني في جولات متكررة منذ ١١ نوفمبر ٢٠٠٢ بهدف مساعدة الفصائل على تحقيق الوفاق الفلسطيني. كما تؤكد مصر دائماً على أن أي إجراءات مؤقتة او حوافز اقتصادية لا يمكن أن تكون بديلا لخلق أفق سياسي أمام الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف في العودة لأرضه وفقا لقرار مجلس الأمن رقم ١٩٤ واسترداد ممتلكاته والتعويض عن الخسائر التي فرضها عليه الاحتلال. ويضاف إلى ذلك التأكيد على الدور المحوري لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتي تعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ١٩٤ لضمان حق العودة للفلسطينيين المُهجرين من أرضهم، إضافة إلى دورها السياسي واللوجستي في دعم الفلسطينيين داخل أرضهم وفي دول الجوار (المُهجرين إليها قسرياً منذ ١٩٤٧).
وفي إطار التعامل مع الحرب في قطاع غزة، فقد سعت مصر – مع الأطراف الدولية المعنية - لاستصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق نار مستدام في غزة، كما قامت بتوفير المساعدات الإنسانية من خلال معبر رفح البري للفلسطينيين بقطاع غزة. وقد عملت مصر مع الشركاء الدوليين على محاولة تخفيف المعاناة على الفلسطينيين في القطاع وإجلاء الرعايا الأجانب والمصابين من الفلسطينيين وتوفير الدعم اللازم للسلطة الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. كما دعت مصر إلى أهمية التزام اسرائيل بصفتها "قوة الاحتلال" بقواعد القانون الدولي لتوفير الحماية الواجبة للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك قطاع غزة، والأماكن المقدسة بمدينة القدس والضفة الغربية.
وتؤكد مصر على ضرورة توقف إسرائيل عن اتخاذ الاجراءات والسياسات أحادية الجانب التي تسهم في اندلاع أعمال العنف والقصف والدمار، وفي مقدمتها أنشطة الاستيطان غير الشرعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلافاً لاتفاقيات أوسلو والمرجعيات الدولية، وسياسات الطرد والاخلاء القسري للفلسطينيين بمدينة القدس وتغيير الطابع الزماني والمكاني والديموغرافي والجغرافي للمدينة المقدسة والحرم الشريف وامتداداتهما، وكذا محاولة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة سياسيا وجغرافياً، ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافي داخل قطاع غزة من خلال فصل شمال القطاع عن جنوبه وتهجير الفلسطينيين من شمال القطاع قسرياً إلى جنوب القطاع.