الإطار العام لدور وزارة الخارجية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لمصر فيما يتعلق بسياسات البيئة:
تواجه مصر تحديات بيئية جسيمة، بدءًا من تغير المناخ والتصحر إلى ندرة المياه والتلوث، ولذلك تُعدّ حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة من أهم أهداف الدولة المصرية في المرحلة الحالية والمقبلة، وتلعب وزارة الخارجية دورًا محوريًا في تحقيق هذه الأهداف من خلال العمل على المستوى الدولي والتنسيق بين الوزارات والجهات المعنية ذات الصلة على المستوى الوطني فيما يتعلق بالتحركات الدولية في هذا الصدد.
تعمل وزارة الخارجية على التنسيق بشأن الأولويات المصرية للتعامل مع قضايا البيئة والتغير المناخي والتنمية المستدامة على المستوى الدولي، وذلك في إطار سياستها الخارجية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مثل اتفاقية باريس وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وأهداف التنمية المستدامة، والتي تنعكس آثارها بدورها على كافة القطاعات مثل الزراعة (قلة الإنتاجية الزراعية بسبب ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار)، ونقص الموارد المائية للري، والسياحة (تأثر المناطق الساحلية بارتفاع مستوى سطح البحر)، والصحة، والبنية التحتية (تأثر الطرق والسدود والكهرباء بسبب الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير)، والهجرة من المناطق المتضررة من تغير المناخ مثل المناطق الساحلية والمناطق التي تعاني من الجفاف وزيادة الضغط على المدن والمناطق التي تستقبل المهاجرين، والتنوع البيولوجي والتصحر.
تشارك وزارة الخارجية بنشاط في مختلف المحافل الدولية ذات الصلة بالبيئة والتغير المناخي والتنمية المستدامة، وتشمل هذه المحافل مؤتمرات الأمم المتحدة للبيئة، وقمم المناخ، والمنتديات والمفاوضات الدولية الأخرى، علاوةً على عقد الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأخرى، وتشكيل التحالفات الدولية، والدفاع عن مصالح مصر في المحافل الدولية. ويتم بالتوازي تقديم الدعم للمؤسسات والجمعيات المعنية بقضايا البيئة، وإشراك الشباب في الأنشطة البيئية.
محددات وأولويات العمل في الأطر الدولية:
تواجه مصر بعض التحديات، مثل قلة الموارد المالية اللازمة للانتقال الأخضر على المستوى الدولي، ونقص التقنيات/التكنولوجيات اللازمة لذلك، وتأثير الصراعات السياسية الدولية على العمل المناخي بكافة أطره، وهو ما يدفع للتركيز على بعض الأولويات على المستوى الدولي، مثل:
أهم الاتفاقيات والالتزامات الدولية التي تبنتها مصر في موضوعات البيئة وتغير المناخ:
أ.الاتفاقيات:
شاركت مصر في صياغة كافة الاتفاقيات البيئية والمناخية على المستوى الدولي، سواء فيما يتعلق بصياغة تلك الاتفاقيات أو تحديد الأطر التي ستسير عليها تلك الاتفاقيات، وذلك بدايةً من إطلاق اتفاقية الأوزون لحماية الغلاف الجوي والقضاء على الغازات المتسببة في ثقب الأوزون، ثم إنشاء صندوق تمويلي تحت اسم Global Environment Facility لدعم الدول النامية وتمويل المشروعات البيئية، تبعها التوصل إلى ثلاث اتفاقيات جديدة عام 1992 وهي اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) واتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية مكافحة التصحر، علاوة على بروتوكول كيوتو عام 1997 والذي يضمن تحديد نسب كمية محددة لخفض الانبعاثات. وقد وقعت مصر أيضاً على اتفاقية باريس والتي تهدف إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض لتصل إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي، مع الالتزام بإمكانيات كل دولة -خاصةً النامية منها- لتحقيق تلك الأهداف.
ب. الالتزامات الدولية التي تبنتها مصر:
بالإضافة لحشد الدعم المالي اللازم للدول الأفريقية والنامية لتنفيذ التزاماتهم، تعمل مصر على تقديم تقارير دورية عن التقدم المحرز في الانبعاثات وتنفيذ أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، كما تعمل على وضع خطة وطنية للتكيف مع تغير المناخ، ووضعت مصر الاستراتيجية الوطنية المصرية لتغير المناخ للعام 2050 ودعم أهداف التنمية المستدامة 2030.
أهم الإنجازات التي نجحت مصر في تحقيقها على المستوى الدولي خلال العقد الماضي:
أ) الإنجازات:
-استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP27) في مدينة شرم الشيخ عام 2023 (نيابةً عن القارة الأفريقية وترأسه السيد وزير الخارجية السابق) وتحقيق مخرجات تاريخية. وقد مثّل هذا المؤتمر فرصة هامة لمصر لعرض جهودها في مجال التغير المناخي وحشد الدعم الدولي لمواجهة هذه التحديات، كما استضافت مصر قمة التنوع البيولوجي للأمم المتحدة COP15.
-الترويج لتنفيذ خطة مصر الوطنية للتكيف مع تغير المناخ.
-تعزيز التعاون بين المجموعات الجغرافية المختلفة في مجال تغير المناخ.
-المشاركة في إنشاء عدد من الصناديق الدولية ذات الصلة بالتغيرات المناخية مثل GCF وصندوق الخسائر والأضرار.
ب) إنجازات مصر لرئاستها COP27:
يعد مؤتمر الأمم المتحدة بمثابة ثلاثة مؤتمرات للدول أعضاء الاتفاقيات، حيث عقدت في نفس الوقت الدورة 27 لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ والدورة السابعة عشر لأعضاء بروتوكول كيوتو CMP17 والدورة الرابعة لأطراف اتفاق باريس CMA4، وانقسمت الفعاليات إلى المسار التفاوضي، والمبادرات البيئية التي أطلقتها مصر (15 مبادرة شملت كافة القطاعات وتبنتها عدد من المنظمات الدولية) والمعرض الخاص بفعاليات الدول ومنظمات المجتمع المدني، وقد نجحت الرئاسة المصرية في كافة تلك الأطر.
وقد تولى السيد وزير الخارجية السابق رئاسة المؤتمر، وتولت وزارة الخارجية التحضير للشق الرئاسي بما تضمنه من موائد حوارية ومخرجات وإدارة المسار التفاوضي بالكامل والتحضير للأيام الموضوعية (12 يوم موضوعي) والتحضير والترويج لأغلب المبادرات المصرية التي تم اطلاقها.
وقد شارك في المؤتمر أكثر من 112 دولة و50 ألف مشارك (ثاني أكبر مؤتمر متعدد الأطراف في التاريخ)، وكان للمؤتمر تأثير على رفع الوعي العالمي بقضية تغير المناخ وأهمية العمل الدولي لمواجهة هذه التحديات، وتعزيز التعاون الدولي في مجال تغير المناخ، حيث ساهم في حشد الدعم الدولي لمواجهة هذه التحديات وتسليط الضوء على احتياجات الدول النامية والعمل على حل بعض الخلافات بين الدول المتقدمة والدول النامية حول تمويل مشاريع تغير المناخ وإنشاء صندوق الخسائر والأضرار المناخية بعد 30 عاماً من المفاوضات.
ج) نتائج المؤتمر: أسفرت المشاورات المستمرة والمكثفة لفريق الرئاسة على التوصل إلى الآتي:
1. آلية دعم الدول النامية في مواجهة الخسائر والأضرار والسياسات اللازمة لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار والترتيبات التمويلية بما في ذلك مصادر التمويل.
2. برنامج عمل خفض الانبعاثات: والمستمر حتى عام 2026 ويتناول جهود خفض الانبعاثات من القطاعات ورفع مستوى الطموح الوطني.
3. إطلاق الهدف العالمي للتكيف مع التغيرات المناخية.
4. إطلاق خطة شرم الشيخ للتنفيذ والتي تركز على قطاعات الطاقة والتمويل والانذار المبكر وخفض الانبعاثات لمختلف الدول والمحيطات والغابات والتعاون مع الشركاء غير الحكوميين.
5. إنشاء برنامج عمل الانتقال العادل والذي يركز على أطر الانتقال للدول النامية واحتواء الآثار السلبية لعملية التحول.
6. إنشاء المنتدى العالمي للهيدروجين وبرنامج نوفّي وإنشاء مركز تميز لبناء القدرات الأفريقية.
وبشكل عام، فقد نجحت الرئاسة المصرية في تحقيق عدد من الأهداف التي سبق تحديدها وعلى رأسها التوازن في مخرجات المؤتمر بين الشق الخاص بالطموح والتنفيذ وبناءً على التوصيات العلمية وتنفيذ خطط الانبعاثات المتفق عليها في اتفاق باريس والاتفاقية الإطارية.
رؤية مصر تجاه مستقبل العمل المناخي الدولي:
تسعى مصر إلى تحقيق مستقبل عمل مناخي دولي عادل وفعال ينعكس بصورة إيجابية على الوضع الداخلي بما يؤثر إيجاباً على القطاعات التي يتعامل معها المواطن بشكل يومي. وتؤكد مصر على أهمية التعاون الدولي في مواجهة تغير المناخ، وتطالب الدول المتقدمة بتحمل مسؤوليتها التاريخية عن تغير المناخ وتقديم تمويل كافٍ لمساعدة الدول النامية على التكيف مع تغير المناخ.
أ) العدالة المناخية:
تؤكد مصر على أهمية تحقيق العدالة المناخية في العمل المناخي الدولي وتطالب مصر الدول المتقدمة بتحمل مسؤوليتها التاريخية عن تغير المناخ وتقديم تمويل كافٍ لمساعدة الدول النامية على التكيف مع تغير المناخ.
ب) التعاون الدولي:
تؤمن مصر بأهمية التعاون الدولي في مواجهة تغير المناخ، سواء فيما يتعلق بالتعاون الجنوب-جنوب أو الشمال-جنوب، علاوةً على التعاون مع الأطراف وأصحاب المصالح من كافة الدول، كما تدعو مصر إلى تعزيز التعاون الدولي في مختلف مجالات العمل المناخي.
ج) التنمية المستدامة:
ترى مصر أن تغير المناخ يهدد التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم وتدعو مصر إلى دمج العمل المناخي في خطط التنمية الوطنية والدولية.
د) وسائل دعم التنفيذ:
تؤكد مصر على أهمية تمويل مشروعات تغير المناخ في الدول النامية وتطالب مصر الدول المتقدمة بتقديم تمويل كافٍ لمساعدة الدول النامية على التكيف مع تغير المناخ. كما تشدد على أن نقل التكنولوجيا النظيفة إلى الدول النامية ضروري لمواجهة تغير المناخ وتدعو مصر إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال نقل التكنولوجيا النظيفة.
و) التكيف مع تغير المناخ:
تؤكد مصر على أهمية التكيف مع تغير المناخ في الدول النامية وتدعو مصر إلى زيادة الاستثمارات في مشاريع التكيف مع تغير المناخ في الدول النامية.