وفقاً لأحدث دراسة أجراها مكتب المنظمة الدولية للهجرة (IOM) في مصر خلال النصف الأول من عام 2022، يبلغ العدد الإجمالي للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الذين تستضيفهم مصر حالياً أكثر من 9 مليون شخص من 133 جنسية مختلفة، بما يمثل نحو 8.7 من إجمالي عدد سكان مصر. وتأتي أربع جنسيات على رأس القائمة يمثلون نحو 80% من هؤلاء وهي الجنسيات السودانية والسورية واليمنية والليبية. وأشارت الدراسة إلى أن متوسط أعمار المهاجرين في مصر يبلغ 35 عاماً، ويتركز أغلبهم في المناطق الحضرية بخمس محافظات هي القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، دمياط، الدقهلية. ويعيش معظم هؤلاء المهاجرين أوضاعاً شبيهة باللجوء، حيث وفدوا من دول تعاني من نزاعات وأزمات ممتدة لكنهم لم يقدموا على طلب الحماية الدولية نظراً لسهولة اندماجهم في المجتمع المصري.
بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لدى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بمصر (UNHCR) بحلول نهاية شهر فبراير 2024 نحو 540 ألفاً من 61 جنسية، نصفهم تقريباً من السودانيين، يليهم السوريون ثم مواطنو جنوب السودان ثم الإريتريون ثم الإثيوبيون.
شهدت أعداد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في مصر بشكل عام قفزة غير مسبوقة نظراً للأزمات الممتدة في عدد من دول الجوار. وقد ارتفع هذا العدد من نحو 6 مليون عام 2018 إلى أكثر من 9 مليون عام 2022. ووفقاً لدراسة المنظمة الدولية للهجرة، فإن متوسط مدة إقامة المهاجرين واللاجئين الحاليين في مصر على أراضيها تبلغ 11.2 سنة. وفيما يتعلق تحديداً باللاجئين وملتمسي اللجوء المسجلين رسمياً لدي مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فقد شهدت أعدادهم في نهاية عام 2023 ارتفاعاً تجاوزت نسبته 60% مقارنة بنهاية عام 2022.
وكان لاندلاع الأزمة السودانية منتصف شهر أبريل 2023 تداعيات كبيرة على زيادة تدفقات الأشقاء السودانيين إلى مصر، وقد التزمت مصر منذ اللحظة الأولي بفتح أبوابها أمام النازحين من السودان حيث استقبلت حتى تاريخه أكثر من 500 ألف سودانيًا شقيقًا، وتتكاتف مؤسسات الدولة مع المجتمع المدني من أجل تقديم الدعم الإنساني والطبي والنفسي للوافدين، وتلبية احتياجاتهم من الخدمات.
تُعد مصر طرف باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها الإضافي لعام 1967 وكذا اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية حول جوانب محددة لمشكلات اللاجئين في افريقيا لعام 1969. ويكفل الدستور المصري احترام حقوق المهاجرين واللاجئين كما يؤكد في مادته رقم 53 على رفض كافة أشكال التمييز. وتتبنى القيادة السياسية خطاباً إيجابياً إزاء المهاجرين واللاجئين من خلال التأكيد على التعامل معهم باعتبارهم ضيوفاً وتعزيز اندماجهم في المجتمع وتشجيع التسامح وقبول الآخر.
من هذا المنطلق، تقوم السياسات المصرية تجاه اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين على احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، حيث تكفل لهم حرية الحركة دون عزلهم في مخيمات مما يتيح اندماجهم في المجتمع وحصولهم على الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم على قدم المساواة مع المواطنين المصريين دون تمييز وبعض أوجه الدعم المخصص للمصريين، ويضمن "عدم تخلف أحد عن الركب" في تقاسم منافع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كما تعتمد نهجاً يضمن تقديم دعم متساو ونفس جودة الخدمة لجميع اللاجئين وطالبي اللجوء بصرف النظر عن جنسيتهم الأصلية.
على صعيد العمل الإقليمي والدولي، تحرص الحكومة المصرية من جانب على تعزيز التزاماتها القانونية الدولية إزاء حقوق المهاجرين واللاجئين والوفاء بها، ومن جانب آخر فإنها تبذل جهوداً كبيرة لمعالجة الأسباب الجذرية المؤدية للنزوح من خلال السعي للتوصل لحلول مستدامة للأزمات المشتعلة في محيطها الإقليمي بما يسمح بالعودة الطوعية للاجئين إلى أوطانهم ويحول دون تفاقم أو تكرار الأزمات.
وسط سياق عالمي يعج بالتحديات وتتقاطع فيه الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية مع آثار التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية على نحو أدي إلى ارتفاع معدل النزوح القسري إلى مستويات غير مسبوقة تقدر بحوالي 114 مليون شخصاً حول العالم، تؤمن مصر بأنه لا سبيل لتجاوز تلك التحديات سوى من خلال العمل الدولي المشترك والتعاون البناء. وفي هذا الإطار، تؤكد على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي لتعبئة الموارد اللازمة من اجل تلبية احتياجات اللاجئين والنازحين ودعم الدول المستضيفة لهم – ومن بينها مصر – إعمالاً لمبدأ التقاسم المنصف للأعباء والمسئوليات المنصوص عليه في الميثاق العالمي بشأن اللاجئين الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2018. كما تؤكد مصر على أهمية تبني منظور شامل في التعاطي مع موضوعات اللجوء والنزوح القسري يراعي التكامل بين الاستجابة الإنسانية وتلبية الاحتياجات التنموية متوسطة وطويلة المدي للاجئين والمجتمعات المضيفة لهم على حد سواء مما يسهم في تعزيز التناغم المجتمعي.
تعد وزارة الخارجية حلقة الوصل بين الجهات الوطنية المصرية والدول والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في مجاليّ الهجرة واللجوء، وأهمها:
مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين (UNHCR):
يعمل مكتب المفوضية في مصر بموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها مع الحكومة المصرية عام 1954، وتنوب بموجبها المفوضية عن الحكومة المصرية في تولي كافة المهام والمسئوليات المتعلقة بتسجيل وتوثيق وتحديد وضعية اللجوء وإسباغ صفة اللاجئ على من تنطبق عليه هذه الوضعية، كما تقدم خدمات الدعم للاجئين وطالبي اللجوء في مصر. ويتم ذلك بالتنسيق مع السلطات المصرية المعنية والتي تضع المحددات التي تقوم على أساسها المفوضية بعملية التسجيل. وينفذ مكتب المفوضية في مصر برامج دعم خاصة في مجالي الصحة والتعليم.
المنظمة الدولية للهجرة (IOM):
انضمت مصر للمنظمة الدولية للهجرة عام 1981. وتنفذ المنظمة برامج تستهدف عدة مجالات منها تقديم مساعدات للمهاجرين في أوضاع هشة، ودعم عمليات العودة الطوعية للمهاجرين الأجانب في مصر أو المصريين بالخارج وإعادة الإدماج، وتعزيز انتقال العمالة ودعم القدرات الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
بالإضافة إلى هاتين المنظمتين، فإن مصر تتعاون مع العديد من المنظمات والوكالات الدولية المتخصصة في المجالات ذات الصلة كمنظمة العمل الدولية (ILO)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)،
ومكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة (UNODC)، وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، وكذا مع عدد من شركاء التنمية الآخرين.
في إطار مبدأ تقاسم الأعباء، أطلقت الحكومة المصرية في نوفمبر 2021 "المنصة المشتركة للمهاجرين واللاجئين" كآلية مبتكرة للتعاون بين الحكومة والأمم المتحدة وشركاء التنمية والجهات المانحة وأصحاب المصلحة الآخرين؛ وتهدف إلى تعزيز التنسيق وضمان تقديم الخدمات بشكل أفضل وتعبئة الموارد لتحقيق مكاسب تنموية مستدامة للاجئين والمهاجرين، وتعزيز الاندماج والتماسك الاجتماعي بينهم وبين المجتمعات المضيفة لهم.
فيما يتعلق بجهود تيسير فرص الانتقال الشرعي للعمالة ومكافحة الهجرة غير الشرعية تعمل الدولة المصرية كذلك – بالتعاون مع الشركاء الدوليين – على زيادة فرص التدريب والهجرة الشرعية للشباب المصري للخارج، خاصة إلى الدول الأوروبية، بغرض العمل في تخصصات مهنية تحتاج لها دول المقصد، مع العمل على حماية حقوق المهاجرين المصريين إلى تلك الدول.
وفي هذا الإطار، عملت وزارة الخارجية على انضمام مصر عام 2019 إلى مشروع "من أجل مقاربة شاملة لحوكمة هجرة الأيدي العاملة وانتقال العمالة في شمال أفريقيا THAMM"، بتمويل من الاتحاد الأوروبي ووزارة التعاون الإنمائي الألمانية، والذي تنفذه المنظمة الدولية للهجرة، ومنظمة العمل الدولية، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، وتستفيد منه عدد من الجهات الوطنية الشريكة وعلى رأسها وزارات التعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي، والقوى العاملة، والتضامن الاجتماعي، والهجرة والمصريين بالخارج، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وقد انتهت المرحلة الأولى من هذا المشروع في أكتوبر 2023، وجاري حاليا التنسيق مع الجهات المعنية والمنظمات المنفذة للمشروع لإطلاق المرحلة الثانية من برنامج THAMM PLUS خلال عام 2024.
اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر
في إطار جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية، فقد تم تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية عام 2016، ودمجها مع اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر عام 2017، بهدف تنسيق جهود كافة الجهات الوطنية المعنية بمكافحة الهجرة غير الشرعية لوضع السياسات والخطط والبرامج لمنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر.
على المستوى التشريعي، فقد سنت مصر قانون مكافحة الإتجار في البشر رقم 64 لسنة 2010، كما سنت القانون رقم 82 لسنة 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين كأول قانون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعرف تلك الجريمة ويوقع عقوبات على مرتكبيها، وذلك في إطار الوفاء بالتزامات مصر الدولية وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عام 2000، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عبر البر والبحر والجو المكمل للاتفاقية عام 2004.
كما تم إطلاق أول استراتيجية وطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية (2016-2026) وتشمل أهدافها تفعيل الإطار التشريعي، التوعية، رفع الكفاءات، بناء القدرات، الحماية، التنمية، التعاون الإقليمي، التعاون الدولي وتوفير البدائل الإيجابية لفرص العمل.
وتم إنشاء صندوق مكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية المهاجرين والشهود بقرار رئيس الوزراء رقم 369 لعام 2023 والذي يدعم عودة المهاجرين غير الشرعيين، حيث تضم اختصاصات الصندوق تقديم المساعدات المالية والتنسيق مع الجهات المختصة لتقديم المساعدات اللازمة بما فيها النفسية والقانونية، للمهاجرين المُهربين والشهود والمجني عليهم ممن لحقت بهم أضرار ناجمة عن الجرائم المنصوص عليها في القانون، وتشمل أيضاً تمويل برامج رعاية وتأهيل المهاجرين المهربين والشهود والمجني عليهم.
وفيما يتعلق بجهود حوكمة الحدود لمكافحة الهجرة غير الشرعية، فقد نجحت الجهود المصرية في مجال ضبط الحدود في الحيلولة دون انطلاق محاولات الهجرة غير الشرعية من سواحلها الشمالية منذ سبتمبر 2016، وهو ما كان محل إشادة دولية من جانب العديد من الشركاء الدوليين. وتتعاون مصر مع الاتحاد الأوروبي في إطار مشروع لتعزيز القدرات العملياتية لخفر السواحل وحرس الحدود المصري لإدارة تدفقات الهجرة من خلال المراقبة الفعالة للحدود والبحث والإنقاذ في البر والبحر